فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرجه البيهقي في الدلائل، عن موسى بن عقبة، ولم يذكر ابن شهاب.
وأخرج الطبراني، عن عروة مثله سواء.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا: جلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ناد من أندية قريش كثير أهله، فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء؛ فيتفرقون عنه. فأنزل الله عليه {والنجم إذا هوى} [النجم: 1] فقرأها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 19]. ألقى الشيطان كلمتين: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى. فتكلم بها، ثم مضى فقرأ السورة كلها، ثم سجد في آخر السورة وسجد القوم جميعًا معه، ورضوا بما تكلم به، فلما أمسى أتاه جبريل فعرض عليه السورة، فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين الكلمتين. فقال رسول الله:- صلى الله عليه وسلم- افتريت على الله وقلت ما لم يقل. فأوحى الله إليه {وإن كادوا ليفتنونك} [الإسراء: 73] إلى قوله: {نصيرًا} [الإسراء: 75] فما زال مغموما مهموما من شأن الكلمتين، حتى نزلت {وما أرسلنا من قبلك}. فسري عنه وطابت نفسه.
وأخرج ابن جرير، عن الضحاك: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة أنزل عليه في آلهة العرب، فجعل يتلو اللات والعزى ويكثر ترديدها، فسمعه أهل مكة وهو يذكر آلهتهم، ففرحوا بذلك ودنوا يسمعون، فألقى الشيطان في تلاوته: تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى، فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك} إلى قوله: {حكيم}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم بسند صحيح، عن أبي العالية قال: قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو ذكرت آلهتنا في قولك قعدنا معك، فإنه ليس معك إلا أراذل الناس وضعفاؤهم، فكانوا إذا رأونا عندك تحدث الناس بذلك فأتوك. فقام يصلي فقرأ {والنجم} حتى بلغ {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} تلك الغرانيق العلى وشفاعتهن ترتجى ومثلهن لا ينسى، فلما فرغ من ختم السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون. فبلغ الحبشة: ان الناس قد أسلموا، فشق ذلك على النبي- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك} إلى قوله: {عذاب يوم عقيم}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي العالية قال: نزلت سورة النجم بمكة، فقالت قريش: يا محمد، إنه يجالسك الفقراء والمساكين ويأتيك الناس من أقطار الأرض، فإن ذكرت آلهتنا بخير جالسناك، فقرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سورة {النجم} فلما أتى على هذه الآية: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 19] ألقى الشيطان على لسانه: وهي الغرانيق العلى شفاعتهن ترتجى. فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون، إلا أبا أحيحة سعيد بن العاص؛ فإنه أخذ كفًا من تراب فسجد عليها وقال: قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير، فبلغ ذلك المسلمين الذين كانوا بالحبشة: أن قريشًا قد أسلمت، فأرادوا أن يقبلوا واشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ما ألقى الشيطان على لسانه، فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة قال: بينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي عند المقام إذ نعس، فألقى الشيطان على لسانه كلمة فتكلم بها، وتعلق بها المشركون عليه فقال: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} فألقى الشيطان على لسانه، ونعس، وإن شفاعتهم لترتجى وإنها لمع الغرانيق العلى، فحفظها المشركون، وأخبرهم الشيطان: أن نبي الله- صلى الله عليه وسلم- قد قرأها فذلت بها ألسنتهم، فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي}. فدحر الله الشيطان، ولقن نبيه حجته.
وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قرأ النجم، فألقى الشيطان على فيه أحكم آياته.
وأخرج عبد بن حميد، عن عكرمة قال: قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى} [النجم: 19- 22] فألقى الشيطان على لسان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تلك إذن في الغرانيق العلى تلك إذن شفاعة ترتجى، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجزع! فأوحى الله إليه {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئًا} [النجم: 26] ثم أوحى إليه ففرج عنه {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} إلى قوله: {حكيم}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ليصلي، فبينما هو يقرأ، إذ قال: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} فألقى الشيطان على لسانه فقال: تلك الغرانقة العلى وإن شفاعتهن ترتجى، حتى إذا بلغ آخر السورة سجد وسجد أصحابه وسجد المشركون لذكره آلهتهم، فلما رفع رأسه حملوه، فاشتدوا به بين قطري مكة يقولون: نبي بني عبد مناف، حتى إذا جاءه جبريل عرض عليه، فقرأ ذينك الحرفين، فقال جبريل معاذ الله أن أكون أقرأتك هذا! فاشتد عليه فأنزل الله يطيب نفسه {وما أرسلنا من قبلك}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} يقول: إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الضحاك في قوله: {إذا تمنى} يعني بالتمني التلاوة والقراءة {ألقى الشيطان في أمنيته} في تلاوة النبي {فينسخ الله} ينسخ جبريل بأمر الله {ما ألقى الشيطان} على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن مجاهد {إذا تمنى} قال: تكلم في أمنيته قال: كلامه.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض} قال: المنافقون {والقاسية قلوبهم} يعني المشركين {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق} قال: القران {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه} قال: من القرآن {عذاب يوم عقيم} قال: ليس معه ليلة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد في {مرية منه} قال: مما جاء به الخبيث إبليس لا يخرج من قلوبهم زادهم ضلالة.
وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة، عن ابن عباس في قوله: {عذاب يوم عقيم} قال: يوم بدر.
وأخرج ابن مردويه، عن أبي بن كعب قال: أربع كن يوم بدر {أو يأخذهم عذاب يوم عقيم} ذاك يوم بدر {فسوف يكون لزامًا} [الفرقان: 77] ذاك يوم بدر {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] ذاك يوم بدر {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر} [السجدة: 21] ذاك يوم بدر.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {عذاب يوم عقيم} قال: يوم بدر.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن عكرمة مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد عذاب {يوم عقيم} قال: يوم القيامة لا ليلة له.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر، عن سعيد بن جبير مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن الضحاك مثله.
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)}.
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه، عن سلمان الفارسي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات مرابطًا أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر، وأجرى عليه الرزق، وأمن الفتانين، وأقرأوا إن شئتم: {والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا} إلى قوله: {حليم}».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن فضالة بن عبيد الأنصاري الصحابي:- إنه كان برودس- فمروا بجنازتين: أحدهما قتيل، والآخر متوفى. فمال الناس على القتيل، فقال فضالة: ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا؟ فقالوا: هذا لقتيل في سبيل الله، فقال: والله، ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت. اسمعوا كتاب الله {والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي في قوله: {مدخلًا يرضونه} قال: الجنة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ}.
قوله: {يَوْمَئِذٍ}: منصوبٌ بما تَضَمَّنه {لله} من الاستقرار لوقوعه خبرًا. و{يَحْكم} يجوزُ أن يكونَ حالًا من اسم الله، وأن يكون مستأنفًا. والتنوينُ في {يومئذٍ} عوضٌ من جملة فقدَّرها الزمخشري: يوم يؤمنون وهو لازمٌ لزوال المِرْيَةِ. وقدَّره أيضًا يوم تزولُ مِرْيَتُهم.
قوله: {والذين كَفَرُواْ}: مبتدأ. وقوله: {فأولئك} وما بعده خبرُه. ودَخَلَتِ الفاءُ لِما عَرَفْتَ مِنْ تضمُّنِ المبتدأ معنى الشرطِ بالشرطِ المذكور. و{لهم} يُحتمل أن يكونَ خبرًا عن {أولئك}. و{عذاب} فاعلٌ به لاعتمادِه على المخبرِ عنه، وإن يكونَ خبرًا مقدَّمًا، وما بعده مبتدأُ، والجملةُ خبرُ {أولئك}.
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا}.
قوله: {لَيَرْزُقَنَّهُمُ}: جوابُ قَسَمٍ مقدرٍ. والجملةُ القسميةُ وجوابُها خبرُ قوله: {والذين هَاجَرُواْ} وفيه دليلٌ على وقوعِ الجملةِ القسَميةِ خبرًا لمبتدأ. ومَنْ يَمْنَعُ يُضْمِرْ قولًا هو الخبر تُحكى به هذه الجملةُ القَسَمية. وهو قولٌ مرجوح.
قوله: {رِزْقًا} يجوز أن يكونَ مفعولًا ثانيًّا على أنه من باب الرِّعْي والذِّبْح أي: مرزوقًا حسنًا، وأَنْ يكونَ مصدرًا مؤكَّدًا. وقوله: {ثُمَّ قتلوا} وقوله: {مُدْخَلًا} قد تقدم الخلافُ في القراءة بهما في آل عمران وفي النساء.
{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)}.
والجملُة مِنْ {لَيُدْخِلَنَّهُمْ} يجوزُ أن تكونَ بدلًا مِنْ {لَيَرْزُقَنَّهم}، وأن تكونَ مستأنفةً. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)}.
لم يتخصصْ مُلْكه- سبحانه- بيومٍ، ولم تتحدد له وقتيةُ أَمْرٍ، ولا لجلاله قَدْرٌ، ولَكِن الدعاوى في ذلك اليوم تنقطع، والظنون ترتفع، والتجويزات تتلاشى؛ فللمؤمنين وأهل الوفاق نِعَمٌ، وللكفار وأصحاب الشقاق نِقَم.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)}.
هؤلاء لهم عذاب مهين، وهؤلاء لهم فضل مبين.
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا } للقلوب حلاوةَ العرفان، وللأرواح حُلَّةُ المحاب، وللأسرار دوام الشهود.
{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)}.
إدخالًا فوق ما يَتَمَنّونَه، وإبقاءً على الوصف الذي يُهْدَوْنه... ذلك في أوان صحوهم لينالوا لطائفَ الأُنْسِ على وصف الكمال، ويتمكنوا من قضايا البَسْطِ على أعلى أحوال السرور. اهـ.

.تفسير الآيات (60- 62):

قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ختم هذه الآيات- التي الإذن للمظلومين في القتال للظالمين- بصفة الحلم، فكان ذلك مخيلة لوجوب العفو عن حقوق العباد كما في شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام، نفى ذلك بقوله إذنًا للمجهارين فيمن أخرجهم من ديارهم أن يخرجوه من دياره ويذيقوه بعض ما توعده الله به من العذاب المهين: {ذلك} أي الأمر المقرر من صفة الله تعالى ذلك {ومن عاقب} من العباد بأن أصاب خصمه، لمصيبة يرجو فيها العاقبة {بمثل ما عوقب} أي عولج علاج من يطلب حسن العاقبة {به} من أي معاقب كان فلم يتجاوز إلى ظلم {ثم بغي} أي من أيّ باغ كان {عليه} بالعود إلى خصومته لأخذه حقه.
ولما كان ما يحصل للمبغي عليه بالكسر عودًا على بدء من الذل والهوان مبعدًا لأن ينجبر، أكد وعده فقال: {لينصرنه الله} أي الذي لا كفوء له.
ولما قيد ذلك بالمثلية، وكان أمرًا خفيًّا، لا يكاد يوقف عليه، فكان ربما وقعت المجاوزة خطأ، فظن عدم النصرة لذلك، أفهم تعالى أن المؤاخذة إنما هي بالعمد، بقوله؛ ويجوز أن يكون التقدير ندبًا إلى العفو بعد ضمان النصر: إن الله لعزيز حكيم، ومن عفا وأصلح فقد تعرض لعفو الله عن تقصيره، ومغفرته لذنوبه، فهو احتباك: ذكر النصرة دليل العزة والحكمة، وذكر العفو منه سبحانه دليل حذف العفو من العبد {إن الله} أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلمًا {لعفو} أي عمن اقتص ممن ظلمه أول مرة {غفور} لمن اقتص ممن بغى عليه.
ولما ختم بهذين الوصفينن ذكر من الدليل عليهما أمرًا جامعًا للمصالح، عامًا للخلائق، يكون فيه وبه الإحسان بالخلق والرزق فقال: {ذلك} أي معرفة اتصافه سبحانه بهذين الوصفين {بأن الله} المتصف بجميع صفات الكمال {يولج} لأجل مصالح العباد المسيء والمحسن {الليل في النهار} فيمحو ظلامه بضيائه، ولو شاء مؤاخذة الناس لجعله سرمدًا فتعطلت مصالح النهار {ويولج النهار في الليل} فينسخ ضياءه بظلامه، ولولا ذلك لتعطلت مصالح الليل، أو يطول أحدهما حيث يراد استيلاء ما طبع عليه على ضد ما طبع عليه آخر لما يراد من المصالح التي جعل ذلك لأجلها {وأن الله} بجلاله وعظمته {سميع} لما يمكن أن يسمع {بصير} أي مبصر عالم لما يمكن أن يبصر دائم الاتصاف بذلك فهو غير محتاج إلى سكون الليل ليسمع، ولا لضياء النهار ليبصر، لأنه منزه عن الأعراض، وهو لتمام قدرته وعلمه لا يخاف في عفوه غائلة، ولا يمكن أن يفوته أمر، أو يكون التقدير: ذلك النصر والعفو بأنه قادر وبأنه عالم.
ولما وصف نفسه سبحانه بما ليس لغيره فبان بذلك نقير ما سواه بفعله علله بقوله: {ذلك} أي الاتصاف بتمام القدرة وشمول العلم {بأن الله} الحاوي لصفات الكمال، القادر على إخراج المعدوم وتجديد ما فات، من نشر الأموات وغيره {هو} وحده {الحق} أي الواجب الوجود {وأن ما يدعون} أي دعاء عبادة وهم لا يسمعون.
ولما كان سبحانه فوق كل شيء بقهره وسلطانه، قال محقرا لهم: {من دونه} أي من هذه الأصنام وغيرها، ولم يتقدم هنا من الدليل على بطلان الأوثان مثل ما ذكره في لقمان الداعي الحال إلى التأكيد بضمير الفصل فقال: {هو الباطل} لأنه ممكن وجوده وعدمه، فليس له من ذاته إلا العدم كغيره من الممكنات {وأن الله} لكونه هو الحق الذي لا كفوء له {هو} وحده {العلي الكبير} وكل ما سواه سافل حقير، تحت قهره وأمره، فهو يحيي الموتى كما تقدم أول السورة. اهـ.